لم يكن الحديث بين الشباب العربي عن الإنترنت لسنوات مضت بالكثافة التي هو عليها الآن، لكن مع اهتمام الحكومات العربية بتنمية الثقافة التكنولوجية لدى أفرادها – وبشكل خاص ثقافة الإنترنت - ظهرت متممات جانبية تلتصق بهذا الانتشار، كان أبرزها ما يسمى بـ «مقاهي الإنترنت» التي كانت بداية ظهورها من خلال مكاتب تستخدم الكمبيوتر في التوفيق بين الشباب المقبلين على الزواج قبل أن تتوسع تدريجيا نتيجة تطور ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات لتتيح فرص الدخول على الشبكة لقاعدة عريضة من الشباب بعد أن كان الدخول مبكراً يقتصر على فئة قليلة من أبناء الطبقات الراقية.
هذه المقاهي تطورت مع تطور وارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت، فأصبحت ملاذا للزائرين والقادمين من بلدان أخرى لإنجاز أعمالهم عن طريق خدمات الإنترنت التي توفرها، أو محادثة ذويهم وأقاربهم من خلال الميكروفونات والكاميرا وغيرها، كذلك قضاء وقت طويل على شبكات الألعاب التي غالباً ما تكون من النوع القتالي أو الحربي.
الأمر لم يقتصر على الخدمات التكنولوجية فقط، بل أصبحت تشتمل تلك المقاهي على ركن خاص بالمشروبات الساخنة والحارة، إلى جانب صالة ألعاب للبلياردو وتنس الطاولة، وأيضا مقاعد للاسترخاء والتدليك «المساج»، كما تنفرد بعض المقاهي بتوفير غرفة للزبون للاسترخاء لفترة ثم تناول وجبة طعام قبل أن يعاود نشاطه في المقهى وكأنه في فندق صغير.
وبجولة سريعة في العواصم العربية تتضح أهمية تلك المقاهي وانتشارها السريع الناجم عن تزايد عدد مستخدمي الإنترنت، ففي تقرير تقنية المعلومات العالمي2007-2008 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، سجلت منطقة الشرق الأوسط أعلى معدل نمو في عدد مستخدمي الإنترنت، وارتفع عدد المواطنين الذين يدخلون الشبكة العالمية بنسبة تزيد على 600%، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط الزيادة في العالم.
وجاءت المملكة في المرتبة 48 من حيث جاهزية شبكة الإنترنت، وزيادة عدد المستخدمين، حيث ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة إلى ما يزيد على 6.4 مليون مستخدم بمتوسط نمو سنوي بلغ نحو 33 %.وفقا لتقرير صادر عن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، أما في الإمارات فتذكر التقارير أن 60% من الشباب يذهبون إلى مقاهي الإنترنت، كل حسب أهدافه، فيما يقل عدد مقاهي الإنترنت في المغرب نتيجة انخفاض عدد مستخدمي الإنترنت الذي يصل إلى مليون ونصف المليون مستخدم.
وتعد مصر من أكثر الدول العربية التي تنتشر بها مقاهي الإنترنت، حيث تشير تقارير حديثة إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت المسجلين بلغ نحو 9.17 مليون بنهاية شهر مارس 2008 بمتوسط نمو سنوي بلغ نحو 12%.، فيما تشير بعض التقارير الأخرى إلى أن العدد غير الرسمي لمستخدمي الإنترنت وصل الآن إلى قرابة الخمسة عشر مليون مستخدم،معظمهم من الشباب تحت سن العشرين.
وفي إحصائية أخرى قام بها موقع إلكتروني عربي تبين أن 80% من مرتادي مقاهي الإنترنت في المنطقة أعمارهم أقل من 30عاما، كما كشفت الإحصائية أن90 % من رواد مقاهي الإنترنت في سن خطرة وحرجة جداً.
«اليوم» قامت بجولة بين مقاهي الإنترنت في العواصم العربية، واستطلعت آراء زوارها من الشباب، كما تحاورت مع أصحاب تلك النوعية من المقاهي ثم عرضت تفاصيل تلك الظاهرة على مائدة الخبراء بهدف بحث الاستغلال الأمثل لها..
كانت البداية من إحدى المقاهي الشهيرة بشارع جامعة الدول العربية بحي المهندسين الشهير بمصر، والذي لفت نظرنا بتجهيزاته الفخمة بداية من أبوابه ثم الديكور الخاص به والأضواء الخافتة والعزل التام لكل شخص عن جاره، اقتربنا من صاحب المقهى الذي فضل عدم ذكر اسمه فقال: إن هناك انتشارا كبيرا لمقاهي الإنترنت في الآونة الأخيرة، نتيجة الإقبال المتزايد من الشباب على تلك النوعية من المقاهي، وبالتالي بات التنافس بين أصحاب المقاهي على استقطاب العدد الأكبر من الشباب من خلال التوسع في تقديم الخدمات للمستخدمين، وتوفير خصوصية أكبر لهم دون رقابة من صاحب المقهى.
ويقول ياسر التهامي 25 عاما- من المملكة : أعتبر نفسي من الرواد الدائمين لمقاهي الإنترنت، سواء أثناء وجودي في المملكة أم أثناء أداء إجازتي الصيفية بمصر حيث أصبح الدخول على الإنترنت هو هوايتي الأولى، وقد فتحت لي تلك الشبكة آفاق المعرفة وأبواب الحرية على مصراعيها، وأكملت جوانب أفتقدها في الواقع، وأهمها التعبير عن رأيي بحرية، والتعرّف على أصدقاء جدد في العالم العربي وأمريكا لهم نفس اهتماماتي، خاصة أنني أجيد الإنجليزية ببراعة.
وبجواره يجلس حسين الشيمي 26 من الإمارات فيقول: الإنترنت أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتي اليومية فمن خلاله يمكنني متابعة كل ما يجري داخل وخارج الإمارات والعالم العربي عموما حتى لو تم التعتيم عليه في الإعلام المحلي، كذلك أهوى مشاهدة ومعرفة التقاليد والعادات في العديد من دول العالم، كما أنني أرى أن هذه المقاهي هي الوسيلة الأرخص والأسرع بالنسبة لي لإجراء الاتصالات التليفونية رخيصة الثمن مع أسرتي في الإمارات أو أصدقائي في أي بلد آخر.
وعن إمكانية الرقابة على الإنترنت، يقول محمد محمود «مبرمج كمبيوتر» : الأمر معقّد، حيث إن حجم الرقابة التي يمكن أن تفرض على مرتادي الإنترنت تتفاوت حسب قدرات المستخدم التقنية، لكن أعتقد أن الرقابة على المقاهي أسهل، حيث يمكن وضع تكنولوجيا حديثة وضوابط وشروط صارمة لإقامة هذه المقاهي كذلك الرقابة عليها.
ويلفت محمود النظر إلى أن مرتادي بعض تلك المقاهي يقومون بالعديد من الجرائم الاقتصادية التي من أهمها سرقة أرقام الحسابات الشخصية والبنكية، كذلك عمليات التجسس الصناعي وفك الشفرات